اسعدالله أوقاتكم
إن الحرية … يمكن أن تتمظهر كفكرة صدرت عن وعي إنسان ما، في زمان ما، في (مكان ما من هذا العالم).
فلو رجعنا الى موروثنا (موروث الأنا) لوجدنا مثلا مقولة للخليفة عمر بن الخطاب: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟”
وهذا السؤال إختزل الكلام في أصل الوعي بالحرية. لكن هذه العبارة الثمينة لم تفعل للأسف فعلها الحقيقي في الفكرالعربي ولا الإسلامي من جهة ما يتطلبه معناها، في التفسير ولـتأويل..

ومن ناحية أخرى نجد، أيضا، في الموروث الأوروبي (موروث الآخر) مقولة لفولتير: “لا وجود لوطن إلا بمواطنين أحرار”
هذه العبارة استطاعت أن تفعل فعلها في الفكر الأوروبي في عصر الأنوار و بعده، الى درجة الإنفتاح على كل تفسير وتأويل.
وهنا، يجب أن لا يغيب عن بالنا أن الحرية هي استخلاص أفكار قديمة نبعت في عقل الانسان الأول وهو يكتشف وجوده في خضم حركة الأشياء في هذا العالم وقد أفرزت ظروفه وقتذاك أسئلة عن ذاته، وعلاقته بالغير، ومن ثم علاقة الذات وبالغير في المجتمع الأول. فعرف الإنسان (الفرد) أنه كما له حقوق فلديه واجبات.. في الصلات التي ينظمها القانون الطبيعي في الأفعال الإنسانية. والقانون الطبيعي هو من أحكام العقل الذي أراد منه الإنسان أن يشعر أنه كائن موجود في هذا العالم الكبير
من هنا سن لائحة حقوق الإنسان سنة 1789: “الناس يولدون و يظلون أحرارا متساوين في الحقوق”
هذه العبارة تتضمن المعنى الحقيقي لمقولة الخليفة عمر، كما تنص على المؤدى الوظيفي لمقولة المستنير فولتير.. هكذانحن نجد الإنسان يسعى الى الحرية: فيولد حرا، لكنه يستعبد عندما تسلب حريته، فهو عبد لمن لغيره ممن يساويه الحقوق والواجبات… ومن جهة الايمان..!؟
فقد وجدنا في القرآن الكريم : “لكل إنسان ما سعى” ، وفي الحديث الشريف : “الناس سواسية كأسنان المشط“..
لكن يبقى الإنسان حرا بعقله الذي وهبه له الله لكي يكون بإختياره أفعاله، خيرا أو شريرا … والله يحاكم الإنسان على قدر فطنته بالأشياء حقا أو باطلا.. ولا عذر لإنسان عندما يقول أنا مجبر على فعل لم أكن أريده.. والصحيح أن الإنسان مجبور على خلقته و والديه وأهله ولغته وانتسابه لأمة من الأمم …، ولكن ليس الإنسان مجبورا في أفعاله فيكون خبيثا أو سيئا أو شريرا.. فهذا إختياره للصفات السيئة من جهة أنه يسعى الى الباطل في أفعاله..
وهذه ليست حرية.. إنها عبودية لإبليس وليس لرب العالمين الذي خلقه وجعله عاقلا وحرا في الإختيار..
لأن الله العارف “هوالأول و ألآخر” ، كما له “الظاهر و الباطن” .
والسلام عليكم
الأستاذ الدكتور عبدالأمير الأعسم
مقتبس بالنص (مع تصرف) من بحثه : [إشكالية الحرية] 2006